قصة السيد جورجولو

قصة السيد جورجولو

قصة السيد جورجولو

السيد جورجولو هو مواطن من بلد ليس عضوا في الإتحاد الأوروبي يعيش في ألمانيا منذ عدد كبير من السنوات. وقد دخل في علاقة مع إحدي السيدات الألمانيات دون أن يكون هناك إرتباط زوجية. وقد نتج عن هذه العلاقة أن حملت السيدة قبل أن تنتهي العلاقة بينهما بفترة قصيرة وذهب كل في طريق.

وكانت السيدة غير راغبة في تربية الطفل ولا في الإحتفاظ به ولذلك أعلنت بطريقة رسمية عقب ولادته عام 1999 بيوم واحد تسليمه للتبني من قبل أي أسرة تكون راغية في تبنيه. والتبني في ألمانيا يتم عن طريق إعلان الأسرة الراغبة في التبني لدي جهة الإدارة المختصة بأنها مستعدة لتسلم الطفل وإعالته وإعطائه إسمها وجعله وريثا للأبوين في حالة الوفاة وتمتعه بكافة حقوق الطفل المولود لهذه الأسرة. وتنظيم التبني تتولاه هذه الجهة التي تفاضل بين المتقدمين من العائلات وتقرر لمن يتم تسليم الطفل.

وهكذا تخلت الأم رسميا عن وليدها بإقرار مكتوب ولم تذكر فيه أية معلومات عن الأب لا إسما ولا عنوانا ولا صفة وتم تسليمه إلي الجهة المسئولة تمهيدا للبحث عن أسرة راغبة في تبنيه وانتهي الأمر بالنسبة للأم ولكنه لم ينته بالنسبة للأب الجسدي، السيد جورجولو. ودخل الطفل الرضيع في حضانة مؤقتة لأسرة متقدمة للتبني وذلك إنتظارا لقرار المحكمة بتخصيص الطفل بصفة نهائية.

وبما أن الأب الجسدي الغير متزوج والغير داخل في علاقة مسجلة لم يكن قد وقع علي إقرار أبوة الطفل كما أن الأوراق الخاصة بالطفل جاءت خلوا تماما من أي ذكر له فليس من حقه قانونا أن يمارس مهام الأبوة، ومن ضمنها بالطبع الحق في حضانة الطفل أو علي الأقل زيارته والإتصال به، بل ليس من حقه حتي رؤيته.

عندما علم السيد جوروجولو متأخرا بعد حوالي 3 شهور بأن أم الطفل قد تنازلت عنه للتبني، دون سؤاله، قرر التقدم إلي جهة الإدارة وإعلان إقرار أبوته للطفل تمهيدا للتقدم بطلب ضمه إلي حضانة أبيه الجسدي. وهنا بدأت القضية.

حصل الأب علي حكم من محكمة أول درجة بالإعتداد بالإقرار الذي وقعه متأخرا والذي يفيد بأنه أب الطفل قانونا. ولكن بما أن الأم قد أعلنت عدم رغبتها في الإحتفاظ بالطفل فقد وضعته الجهة المسئولة علي قوائم التبني بالرغم من صدور حكم المحكمة المذكور. وعندما وقع الإختيار علي نفس العائلة التي أقام الطفل في كنفها منذ اليوم الرابع لولادته إعتبرت محكمة الأسرة أنها تقوم بتمثيل الأب الاصلي الجسدي وأعلنت المحكمة نيابة عنه أنه موافق علي التبني، رغم أن ذلك لم يحدث فعلا. وبالطبع تقدم السيد جورجولو بطلب يعترض فيه علي أحقية محكمة الأسرة في تمثيله لدي إصدار موافقتها علي إتمام التبني وقبل إعتراضه وألغي قرار المحكمة بأنها تمثله.

وبناءا علي ذلك صدر له حكم جديد بأحقيته في رؤية الطفل وزيارته ثم صدر له حكم لاحق بأحقيته أيضا في رعاية الطفل وهو ما يعني الرجوع إليه في كل شأن أساسي يمس حياة الطفل أو تربيته. كل هذا دون المساس ببقاء الطفل في كنف الأسرة البديلة.

إلا أن محكمة الدرجة الأعلي في الإستئناف قامت بناءا علي طعن مقدم من الأسرة بإلغاء الحكمين وحظرت عليه حق رؤية الطفل حظرا مؤقتا جاء في تسبيبه أن رؤية الأب تعد إنتزاعا للطفل من البيئة العائلية التي تعود عليها وارتبطت جذوره بها عاطفيا ونفسيا مما يعرض الطفل لضرر يؤثر علي أحواله النفسية والجسدية. والمعروف في أمثال هذه القضايا هو أن ينظر القاضي دائما إلي ما فيه مصلحة الطفل فقط وليس مصلحة الأب أو الأم أو غيرهما من أفراد الأسرة.

وبالطبع لم يتوان السيد جورجولو عن المطالبة بحقه إذ تقدم بشكوي أمام المحكمة الدستورية الفيدرالية يتهم فيها قرار محكمة الإستئناف بالتعدي علي حقوقه الدستورية في الإتصال بافراد أسرته حيث أن ذلك مما يكفله الدستور.

لم تقرر المحكمة الدستورية الفيدرالية في شأن الشكوي التي تقدم بها الأب وذلك لأنها غير واقعة في إختصاصها وبذلك لم يبق أمام السيد جورجولو سوي اللجوء إلي محكمة أوروبية لكي يحصل علي حقه.

ولما كانت المحكمة الأوروبية العليا في لوكسمبورج غير مختصة بقضايا الأشخاص الطبيعية فقد تقدم السيد جورجولو بدعواه لسماعها من جانب المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورج بفرنسا وهي محكمة لا علاقة لها بالمحكمة الأوروبية العليا ولا هي من ضمن أجهزة الإتحاد الأوروبي بل هي محكمة منشأة في سياق إتفاقية أوروبية تجمع دولا عديدة أيضا من خارج الإتحاد الأوروبي.

وقد جاء قرار المحكمة الأوروبية العليا لحقوق الإنسان مؤيدا لحق السيد جورجولو في رؤية وزيارة إبنه وذكرت المحكمة في حكمها أن حقه في الحياة الاسرية الخاصة وهو حق أساسي مضمون بالمادة رقم 8 من المعاهدة المنشئة لمنظمة حقوق الإنسان الأوروبية قد تم التعدي عليه وقال الحكم أن الوضع القضائي الحالي لابد له من التعديل لكي يسمح للسيد جورجولو برؤية إبنه علي فترات منتظمة.

وهكذا عاد ملف قضية السيد جورجولو من مدينة ستراسبورج مقر المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان مسلحا بحكم صادر لصالحه بأحقيته في زيارة إبنه إلي المحكمة المختصة بأحوال الأسرة في مقر إقامته في مدينة فيتنبرج Wittenberg بولاية ساكسن أنهالت في شرق المانيا، حيث طالب السيد جورجولو بتمكينه من زيارة ولده الذي كان قد بلغ من العمر حوالي 5 سنوات. وصدر الحكم من محكمة أول درجة بالفعل بتمكينه من رؤية الطفل.

إلا أن إستئنافا مقدما تسبب من جديد في رفع الأمر إلي محكمة إستئناف الولاية وهي نفس المحكمة بمدينة ناومبورج Naumburg ونفس الدائرة الرابعة عشر التي كانت قد منعت عنه حكم الدرجة الأولي برؤية إبنه وألغته في البداية.

فكيف جاء قرار محكمة الإستئناف في ناومبورج هذه المرة؟

قالت محكمة الإستئناف لولاية ساكسن أنهالت أن حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لا يسري علي السيد جورجولو بل هو ملزم فقط لجمهورية ألمانيا الإتحادية التي هي طرف في المعاهدة المنشئة للمنظمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي تمثل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أحد أجهزتها وبالتالي فلا أحقية للسيد جورجولو في رؤية إبنه لنفس الاسباب التي سبق ذكرها أول مرة وألغت حكم محكمة أول درجة.

في هذه المرة كان في إستطاعة السيد جورجولو التقدم إلي المحكمة الفيدرالية الدستورية التي كان قد قصد إليها في المرة الأولي ولكن علي أساس جديد وهو تحديد رتبة الأحكام القضائية للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في سياق النظام القانوني الداخلي لألمانيا الإتحادية. وهذا التحديد هو من صميم الإختصاص القضائي القاطع والمانع للمحكمة الدستورية الإتحادية. لم يكن طلبه هذه المرة متعلقا بحق اساسي دستوري كما كان في المرة السابقة ولكن متعلقا بتكييف ترتيب أحكام دولية صادرة عن جهة قضائية ساهمت ألمانيا في المعاهدة الدولية المنشئة لها.

وبدون الدخول في تفاصيل قضائية وقانونية متشعبة فقد جاء حكم المحكمة الدستورية الفيدرالية مؤيدا لحق السيد جورجولو في الإستناد إلي حكم من أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إذ أن أحكام المعاهدات الدولية التي تكون ألمانيا طرفا فيها تسري في المانيا في مرتبة القوانين الإتحادية وجاء في حكم المحكمة الفيدرالية الدستورية أن حكم محكمة الإستئناف في ناومبورج جاء مخالفا للقانون وبه قدر من التعسف Willkür وذكر أيضا لفظ التلاعب بالقانون Rechtsbeugung في وصفه لتصرف الدائرة الرابعة عشر لمحكمة إستئناف ولاية ساكسن أنهالت في ناومبورج. وهو لفظ يعني إرتكاب جنحة من جانب القضاة من أعضاء هذه الدائرة.

وبمجرد صدور حكم المحكمة الدستورية الإتحادية الذي يعد بنص الدستور ذا حجية مطلقة علي كل جهات الدولة الألمانية قامت النيابة إستنادا إلي نص الحكم المذكور بفتح تحقيق مع القضاة الثلاثة في هذه الدائرة وهم الذين أصدروا الحكم الذي ألغته المحكمة الدستورية وذلك بتهمة إنكار العدالة والتلاعب بالقانون.

إلا أن القاضيين المرجحين للحكم والمعنيين بالأمر قد إستغلا الحق في الصمت والإحتفاظ بالشهادة فلم يخبر أي منهما وكيل النيابة المحقق بشخص القاضي الذي كان صاحب هذا التصرف المخالف للقانون مع التأكيد أنه أحدهما وليس كليهما معا. وهذا البيان أوقع المحقق في مأزق حيث أنه لا يستطع توجيه التهمة إلي شخص قاضي بعينه حيث أن الإتهامات الجنائية لا تلقي بطريقة جماعية مما إضطره إلي حفظ التحقيق لعدم إمكان الإستدلال علي الفاعل الحقيقي ولكن سمعة هذه المحكمة وبالذات الدائرة الرابعة عشر منها أصبحت منذ تلك الحادثة محل مساءلة وشك كبيرين.

واليوم يخالط السيد جورجولو إبنه الذي أصبح شابا يافعا بعد أن تحطمت كل القيود القانونية والعقبات التي حاول افراد من الهيئة القضائية وضعها بسوء نية في طريقهما إلا أن النهاية كانت واضحة في إرجاع الحقوق إلي أهلها.

من إعداد المكتب الثقافي ببرلين، أيمن زغلول 2016

نبذة عن التعليم الفني فى جمهورية ألمانيا الإتحادية وإمكانية تطبيق التجربة فى مصر

نبذة عن التعليم الفني فى جمهورية ألمانيا الإتحادية وإمكانية تطبيق التجربة فى مصر

نبذة عن التعليم الفني فى جمهورية ألمانيا الإتحادية
وإمكانية تطبيق التجربة فى مصر

1. مقدمة:

تقوم جمهورية ألمانيا الإتحادية على الفيدرالية بين 16 ولاية مختلفة. وهذه الخاصية الفيدرالية تميزها فى كثير من الأمور عن الدول المركزية مثل مصر أو فرنسا، إذ أن لكل ولاية برلمان خاص ودستور ومجلس وزراء.

ونظرا لهذا التباين الثقافي بين الولايات فإن قضية التعليم هي قضية متروكة لكل ولاية لكي تنظمها كما ترغب، وذلك بحكم الدستور الإتحادي الصادر عام 1949. وليس للحكومة الإتحادية دور كبير فى التعليم إلا مهمة التنسيق بين الولايات فى شئون الإعتراف المتبادل ومحاولة تنظيم التعاون بينها فى شئون المناهج وكذلك فى شئون التكامل الأوروبي فى مجالات التعليم.

فى نهاية مرحلة التعليم الأساسي فى جمهورية ألمانيا الإتحادية يحدد مستوي أداء التلميذ فى إمتحان نصف العام من السنة الرابعة الإبتدائية الإتجاه الذى سوف يسلكه بعد ذلك فى حياته. إذ هناك ما يسمي التوصية بالصلاحية للدراسة الثانوية gymnasial Empfehlung وهي ما يحصل عليها التلاميذ الأكثر تفوقا. ثم هناك التوصية بدخول المدارس الفنية Realschule والتوصية الثالثة بدخول المدارس.. Hauptschule… التي تخرج قوي الأيدي العاملة من الفنيين فى مجالات مختلفة. والتدريب الفني بالنسبة للنوعين الأخيرين يمثل جزءا أساسيا من المنهج التعليمي وذلك بحكم القانون. وفى جميع الأحوال لا يقل عدد سنوات الدراسة عن عشر سنوات أي ما يعادل الصف الأول الثانوي فى النظام المصري. ويضمن هذا النظام وجود حد أدني من التعليم والمعرفة لجميع أفراد المجتمع بغض النظر عن موقعهم فى العمل ودرجة المسئولية التي يتحملونها

.

ويقع الفارق بين الدراستين فى العمل الذى يقوم به الخريج فيما بعد فى الحياة العملية، إذ بينما يكون خريجو المدارس الفنية (Realschule) هم عماد الإدارة المتوسطة والتشغيل اليومي يمثل خريجو مدارس تخريج الأيدي العاملة (Hauptschule) الكتلة الكبري من العمال والمهنيين

.

ويحصل الدارسون للحرف الفنية جميعها على شهادة فى نهاية الدراسة ويحصل منهم من يريد مزيدا من المعرفة على شهادة Meister وذلك عقب إجتياز إختبار جاد فى مستواه، وهذه الشهادة تثبت ما يمكن تسميته “أسطي معتمد” وهي شهادة دراسية وعملية فى نفس الوقت وتشمل جميع المهن تقريبا (ميكانيكي، ساعاتي، مبيض، نجار، حلاق إلخ..). وهذه الشهادة تؤهل حاملها لأن يفتتح نشاطا خاصا به ليعمل مستقلا فى هذا المجال بالذات ولا يعمل موظفا لدي غيره. ومعظم المهن فى ألمانيا هي من المهن المحمية التي لا يسمح لمن لم يتعلمها بممارستها.

وحماية المهن هي ضمانة ثانية لعدم تدخل غير المتخصصين أو قليلي التدريب فيما لا يجيدونه من مهن وبالتالي هو ضمان للإبقاء على المستوي المرتفع للجودة فى الصناعة والخدمات. وهذه الحماية من الدخلاء ينص عليها قانون ممارسة المهن الفنية ولوائح الإدارة التي تفسره.

2. الأساس التنظيمي والقانوني:

وينظم القانون الصادر عام 1969 والمعدل بقانون عام 2005 أحكام التدريب ومدته وأحقية الطلبة فى الحصول عليه. وكلاهما من القوانين الإتحادية التي تسري على كامل إقليم ألمانيا.
ويكفل هذا النظام المتميز لألمانيا الإتحادية الإمداد المستمر بعمالة قادرة على القيام بالأعمال الموكلة إليها بطريقة تتسم بالجودة العالية والكفاءة فى الأداء. وهذا الأداء المتميز للصناعة الألمانية يعود فى سبب وجوده إلى هذا النظام التعليمي الألماني الفريد بين كل الدول الصناعية.
وبمقتضي هذا النظام تلتزم الشركات الصناعية والخدمية بتوفير أماكن للتدريب لهؤلاء الطلبة حتي يمكن لهم أن يحتكوا بالحياة الحقيقية ويتعرفوا مبكرا على طبيعة الأعمال التي ينتظر منهم القيام بها عقب إنتهاء الدراسة. ويتقاضى المتدربون الصغار أجورا زهيدة مقابل هذا التدريب وذلك لتشجيع الأجيال على الإقبال على التعليم وعدم ترك الحرف والمهن اليدوية. وتشارك الشركات بمختلف أنواع نشاطاتها فى هذا النظام بل أنها أحيانا تتعهد للتلاميذ المتميزين بأن تعينهم لديها عقب نهاية دراستهم وتدريبهم.
أى أن هذا النظام يعتمد على وجود توافق بين قطاعات الإقتصاد سواء منها الخاص أوالعام، وبين الدولة على أهمية الحفاظ على هذا التدريب صونا للهدف الأسمي وهو الحفاظ على المكانة الصناعية الألمانية بين دول العالم. وتقع مصلحة شركات القطاع الخاص بمقتضي هذا النظام أولا فى ضمان الحصول على عمالة مدربة قادرة على قبول تحديات العولمة وثانيا فى المميزات الضريبية التي تمنحها الدولة للشركات المانحة لهذه الفرص.

3. النظام الثنائي Duales System

المقصود بالثنائية فى هذا النظام هو عدم حرمان العامل من فرصة تحسين مستواه العلمي بالحصول على شهادات دراسية ترفع من مؤهلاته، حيث أن حق التعليم هو من الحقوق الدستورية فى ألمانيا الإتحادية.
وبالتالي فالثنائية تعني الجمع بين العمل والدراسة فى نفس الوقت. وهذا يعني تفهم أصحاب الأعمال لهذه الضرورة وعدم الوقوف فى وجه العامل الراغب فى تحسين مستواه، إذ أن قانون العمل يمنع فصل العمال لهذا السبب.
ويقوم النظام الثنائي على أن يتمكن العامل من تحسين مستواه العلمي فى أى وقت يشاء وذلك بالإنضمام أثناء عمله إلى أحد المراكز المعتمدة التي تؤهله لمدة 3 أعوام حتي يحصل على ما يعادل الثانوية العامة التي يتأهل بها لدخول الجامعة. وأشهر مثال على ذلك هو مستشار ألمانيا السابق جيرهارد شرودر الذى بدأ حياته كاتبا بسيطا ثم إستكمل الدراسة وحصل على الثانوية العامة ودرس القانون أثناء عمله. ويمكن لهؤلاء أن يترقوا فى المراتب العلمية إلى درجة الماجستير. وتمتاز الدراسة بهذه الطريقة بارتباطها بالتطبيقات العملية وتوجهها إلى خدمة الصناعة بدلا من حصرها فى النطاق النظري الذي قد تكون تطبيقاته العملية غير مطلوبة أو ليس له تطبيقات عملية مباشرة تفيد فى مجال الصناعة الذى يعمل فيه الدارس.
وتمتاز هذه الطريقة بأنها تجعل الحاصل على الشهادة الجامعية منذ بداية تخرجه مدركا للأبعاد الفنية والإقتصادية لعملية الإنتاج بأسرها حيث أنه قد عايشها قبل الدراسة من طرفها العمالي ثم يعايشها عقب الدراسة من طرفها الآخر المتمثل فى الإدارة والتخطيط على المستوي الأعلي.
ويتم الإلتحاق بهذه العملية التعليمية عن طريق عقد دراسة يعقده الراغب مع صاحب العمل ويقدم من خلال مسوغات قبول هذا العقد موافقة المؤسسة التعليمية على قبوله فيها للدراسة وبالتالي يصبح صاحب العمل ملتزما بقبول هذه العملية التعليمية للعامل فى مؤسسته.

4. الجامعات التخصصية Fachhochschulen

الجامعات التخصصية هي الأداة الأكاديمية التي يتم من خلالها تنفيذ هذا المفهوم التعليمي وهي تخرج أكاديميين تركز تعليمهم على الإتجاه التطبيقي للعلوم فى المجالات التي يدرسونها كالمهندسين أو الفنيين أو الإداريين.
ويتخرج الطالب منها يحمل لقب مهندس FH وذلك خلافا لزميله الذى يحمل لقب مهندس TU وهذه التفرقة تشير فقط إلى نوعية التعليم الذى تلقاه كل منهما ولا يوجد أي فروق فى النظرة المجتمعية بينهما بل أن كثيرا من الشركات قد تفضل خريجي هذه الكليات على خريجي الجامعات النظرية التقليدية وذلك بسبب إستعداد الأولين للدخول السريع فى دورة العمل بدون فترة تأهيل أطول نسبيا يحتاج إليها الآخرون.
وتبلغ مدة الدراسة فى الجامعات التخصصية من 4 إلى 5 سنوات علي حسب عدد الفصول الدراسية المطلوبة حيث أن القوانين المنظمة لهذه الدراسات تتباين من ولاية لأخري نظرا للطبيعة الفيدرالية للنظام السياسي لألمانيا والنمسا، خلافا للنظام المركزي المتبع فى كل من مصر وفرنسا.
وهي تغطي كافة مجالات النشاط فمنها التجاري ومنها الصناعي ومنها الزراعي ومنها الفني إلخ…
ومن الجدير بالذكر فى هذا الخصوص أن الطبيعة الإقتصادية للنشاط السكاني فى كل منطقة لها دور هام فى تحديد مجالات الدراسة، فالمناطق الساحلية لها نشاط يختلف عن المناطق الزراعية أو المناطق ذات الطبيعة الجيولوجية الإقتصادية الأخري كاستخراج الفحم أو الحديد. ووفقا لهذا التنوع الإقتصادي الجغرافي تتنوع الدراسات المتاحة فى كل منطقة.

5. تطبيقات فى دول قريبة الثقافة من مصر

يقترب من مفهوم هذه الطريقة من التعليم إنشاء الجامعة الأردنية الألمانية فى عمان. وهي منشأة بموجب مرسوم ملكي يستند إلى إتفاقية بين كل من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الأردنية ووزارة التعليم والبحث العلمي الفيدرالية فى ألمانيا. وهو مشروع تم إفتتاحه فى عام 2005 ويشترك فيه بالإضافة إلى المملكة الأردنية كل من جامعة ماجدبورج فى ألمانيا وهيئة تنشيط التبادل الأكاديمي الألمانية DAAD .
وتضم هذه الجامعة حتي الآن 7 كليات متخصصة فى مجالات التنظيم والإدارة، والعلوم الطبية التطبيقية، والموارد الطبيعية، والعلوم الفنية، والعمارة والتخطيط العمراني، واللغات والكمبيوتر.
وهي جامعة الغرض منها تطبيق النظام الألماني السابق بيانه والذي ينهض على القيمة التطبيقية للعلوم والمناهج وإعطاء الأولوية لاحتياجات الصناعة التخصصية.
وتقع مدة الدراسة فى هذه الجامعة فى 5 سنوات ويشكل الاساتذة الألمان جزءا كبيرا من هيئة التدريس بها، حيث يلزم إجتياز إختبار فى اللغة الألمانية عند الدخول لأن الدراسة فى السنة الأخيرة تتبدل من اللغة الإنجليزية إلى اللغة الألمانية.
وتهدف الجامعة إلى إعداد أجيال من الخريجين علي مستوي علمي مرتفع يؤهلهم للعمل فى المؤسسات الإقتصادية العالمية والأوروبية وذلك لمعرفتهم بالطرق الإنتاجية والمشاكل المصاحبة لها وكذلك بالحلول العلمية والعملية التي تخدم الصناعة ولا تقتصر على النظريات فقط..
ونظرا للقصر النسبي لعمر التجربة الأردنية فلا تتوافر تقارير عن مدي النجاح الذى وصلت إليه عبر تلك السنوات التسع.

6. تقييم التجربة من وجهة النظر المصرية مع المقترحات العملية

يتضح من الشرح السابق أن هذه التجربة الراسخة فى مجتمعات وسط أوروبا خصوصا الناطق منها بالألمانية أن الهدف الأساسي هو الحفاظ على مستوي مرتفع من التعليم الحرفي والمهني يمكن الإقتصاد الوطني من التنافس وترويج المنتجات عبر العالم بأسره من ناحية، ومن ناحية أخرى الحفاظ على حالة من السلام الإجتماعي بين طرفي العملية الإنتاجية بالإضافة إلى تحقيق نوع من العدالة الإجتماعية عن طريق تكافؤ الفرص.
وهذا التوافق هو صفة مميزة لتلك المناطق من أوروبا تجعل علاقات الإنتاج فيها تختلف عن العلاقات العمالية فى الدول اللاتينية مثل فرنسا وإيطاليا كما أنها علاقات إنتاج تختلف عن العلاقات السائدة فى بريطانيا مهد الثورة الصناعية والفكرة النقابية التي ضاعت معالمها منذ حكم مارجريت ثاتشر وحتي اليوم.
وللوصول إلى هذا المستوي من العدالة الإجتماعية ينبغي إجراء خطوات تشريعية وإدارية ضرورية قد تشمل ما يلي:
1. تعديل القوانين التي تحكم العملية التعليمية فى جمهورية مصر العربية. إذ أن التعليم الفني لابد له أن ينهض على أساس قانوني يسمح بدخول الجامعة – للراغبين فيه – فى سن متأخر ومن خارج عمل مكاتب التنسيق التي تنظم الإلتحاق للطلبة العاديين من حملة الثانوية العامة.
2. تعديل القوانين التي تحكم عقود العمل فى مصر، إذ أن التوافق المطلوب بين أصحاب الأعمال والراغبين فى الدراسة لابد له من الخضوع لهيكل قانوني يمنع الفصل التعسفي بسبب الغياب لأسباب دراسية كما لابد له أن يحمي صاحب العمل من سوء إستغلال هذه الميزة الممنوحة فقط للعمال الجادين.
3. إصلاح الفهم المجتمعي العام للدور الذى تلعبه المهن الفنية فى الحياة الإقتصادية والإجتماعية، إذ أن تلك المهن تمثل أكثر من ثلاثة أرباع المهن المتاحة فى السوق الألماني حيث أن جودة المنتجات الألمانية لا تتحدد عن طريق المهن الأكاديمية وإنما عن طريق المهن الحرفية التي أعطت للإقتصاد الألماني سمعته الدولية.
4. وأخيرا يعتمد هذا النظام النادر والمتبع فقط فى الدول الناطقة بالألمانية (ألمانيا والنمسا وسويسرا وشمال إيطاليا) على ضرورة وجود قاعدة صناعية تحتضن هؤلاء الطلبة منذ السنة العاشرة فى المدرسة وتقوم بتعليمهم تلك الحرفة وتتفهم رغبتهم فى الترقي المهني عن طريق الدراسة ثم فى النهاية تجتذب هؤلاء الدارسين عقب تخرجهم بالتعيين على قوتها العاملة. وهذه القاعدة الصناعية هي فى معظمها أو كلها شركات من القطاع الخاص الذي يمتاز فى تلك المناطق من العالم بارتفاع الوعي الإجتماعي والحرص على المركبة التنموية فى تخطيط سياساته التجارية.
5. إن تنفيذ مشروع من هذا النوع يستلزم تكافل جهود مكثفة من جهات عديدة سواء من الدولة أو من القطاع الخاص الصناعي أو من البنوك. ولهذا ربما يكون إنشاء هيئة عليا تشرف على تذليل العقبات وعلى تنفيذ المشروع والبت فى تنازع الإختصاصات المتعلقة به هو الوسيلة التي يمكن بها لمشروع قومي بهذا الحجم أن يري النور فى القريب.
وهذا الأسلوب من التوافق جاء إلى الوجود عقب نزاعات عمل متعددة وطويلة بين النقابات وأصحاب الأعمال على مدي القرن ونصف المنصرم والتي تمخض عنها نظام التفاوض الجماعي بين الطرفين حتي يتم الإتفاق علي أمثال هذه المزايا والإلتزامات من الطرفين. وتحرص الأطراف الثلاثة (أصحاب الأعمال والنقابات والدولة ممثلة فى السلطتين التشريعية والتنفيذية ) على الحفاظ علي هذا التوافق وضمانه عن طريق نصوص قانونية ترسخ من وجوده فى الأذهان وتحمي مصالح الطرفين مما يصب فى النهاية فى الصالح العام للإقتصاد الألماني الذى تشكل نسبة القوي العاملة المرتبطة بالتصدير أكثر من ثلث قوته العاملة الكلية

*مذكرة مختصرة من إعداد المكتب الثقافي والبعثة التعليمية فى برلين. أيمن زغلول 2014

.

وضع الكرامة الإنسانية كقيمة قانونية في ألمانيا

وضع الكرامة الإنسانية كقيمة قانونية في ألمانيا

وضع الكرامة الإنسانية كقيمة قانونية في ألمانيا

عقب كل ما كان من نتائج الحرب العالمية الثانية التي اشعلتها المانيا وأضرت فيها بكثير من شعوب الأرض وأحرقت كثيرا من الاراضي حرص واضعو الدستور الالماني الإتحادي حرصا كبيرا علي منزلة الحفاظ علي الكرامة الإنسانية كقيمة قانونية عليا لا يمكن التفريط فيها وجعلوها المادة الأولي من الدستور الجديد الذي خرج للنور عام 1949 ولم يحدث عليه أي إستفتاء أو موافقة شعبية. فالمادة الأولي من هذا الدستور يقول نصها “الكرامة الإنسانية لا تمس”..
ليس هذا فقط، بل أن الدستور حرص في المادة رقم 79 منه علي النص علي أن أي تعديل لهذا الدستور لا يمكنه – تحت أي ظروف وبأي شكل من أشكال الإجماع أو الأغلبية سواء برلمانية أو شعبية أو أي طريق آخر – لا يمكنه تغيير هذه المادة وإلا سقط كل الدستور بجميع مواده كتلة واحدة.
كذلك نصت المادة 23 المعدلة عقب الوحدة الألمانية عام 1990 علي أن التكامل والأوروبي هو سياسة ألمانية راسخة موضعها القانوني نص الدستور لكي تسمو القوانين الأوروبية علي جميع القوانين الداخلية لألمانيا بما فيها الدستور نفسه، ولكن النص عاد فتحفظ علي مادتين فقط بجعلهما حدا لا يمكن تخطيه في اي تعديل دستوري يرد في سياق التكامل الأوروبي. وهاتين المادتان هما هذه المادة رقم 1 والمادة رقم 20.
وهذه المادة الخاصة بالكرامة الإنسانية هي الدافع القوي لكثير من اللاجئين القادمين إلي ألمانيا الإتحادية حيث أن مستوي الحفاظ علي الكرامة الإنسانية في ألمانيا يعد من أعلي المستويات الموجودة في العالم، فلا يسمح الدستور بمعاناة أي فرد علي أرض ألمانيا الإتحادية سواء جوعا أو سكنا أو ماليا.
ومن بطن فكرة التكامل الأوروبي الذي لا رجعة عنه والذي تعد ألمانيا سباقة في دعمه أدبيا وماليا تشريعيا بالحرص علي التوافق في جميع قضايا أوروبا تولد ما يطلق عليه أمر قبض صادر عن الإتحاد الأوروبي وهو مثل جميع الأعمال التشريعية والتنفيذية والقضائية الأوروبية له السمو فوق أحكام الدول الأعضاء الداخلية.
وقد صدر منذ أيام قليلة حكم عن المحكمة الدستورية الإتحادية في المانيا يعد جديدا في بابه أدار رؤوس القانونيين وشد إنتباه الصحافة والراي العام.
في عام 1992 صدر حكم علي مواطن أمريكي من محكمة جنائية إيطالية بالسجن لمدة 30 عام لانتمائه إلي تنظيم عصابي يتاجر في المخدرات. وقد صدر هذا الحكم غيابيا أي أن المتهم لم يحضر أي جلسة ولم يشارك بأي دور في إجراءات المحاكمة. وظل هذا الرجل هاربا طوال هذه السنوات حتي تم القبض عليه عام 2014 علي أراضي جمهورية ألمانيا الإتحادية.
أبلغت المانيا الإتحادية الحكومة الإيطالية بوجود هذا المتهم علي أرضها فعملت الأخيرة علي إستصدار أمر قبض أوروبي له النفاذ علي كامل إقليم الإتحاد الأوروبي بدون نقاش.
ولكن المتهم عارض في الأمر برفع دعوي أمام محكمة إستئناف دوسلدورف يشكو فيها من انه لم يحضر أي جانب من جوانب محاكمته في إيطاليا وأن الحكم الغيابي الصادر في حقه لن يعاد النظر فيه حيث أن قانون الإجراءات الجنائية لا ينص علي ذلك صراحة. ولكن محكمة الإستئناف المختصة بقرارات الترحيل رفضت دعواه وأمرت بترحيله وفقا لطبيعة الأمر الأوروبي الذي لا يحق للمحاكم الداخلية للدول الأعضاء أن تفحصه بل عليها الأمر بتنفيذ ما جاء فيه.
وهنا تقدم المتهم الأمريكي بشكوي دستورية إلي المحكمة الدستورية الإتحادية يطالب فيها بحقه الدستوري في الحفاظ علي كرامته الإنسانية وفقا للمادة رقم 1 من دستور ألمانيا (يسري الدستور لكل إنسان علي ارض ألمانيا الإتحادية وليس فقط للالمان). وقد ضمن شكواه دلائل من القانون الإيطالي الذي لا ينص صراحة علي حق المتهم في إعادة محاكمته عقب القبض عليه لو أن الحكم الأول كان غيابيا. وإعادة المحاكمة تعني البدء في جميع الإجراءات من جديد وكأن القضية تنظر لأول مرة بما في ذلك الإستدلالات والإثبات والشهادات وخلافه. وقد أوضح المتهم الأمريكي للمحكمة الدستورية أنه حتي لو أعيدت محاكمته فلن يكون هناك إعادة لبيان الإستدلالات وتقدير لشهادات الشهود وسماع المرافعات إلخ..
وبما أن الحق في محاكمة عادلة هو من الحقوق اللصيقة بشخصية الإنسان وهو أيضا جزء من كرامته الإنسانية فقد نظرت المحكمة إلي هذا الطلب باعتباره طلبا ماسا بالكرامة الإنسانية، أي بالمادة رقم 1 من الدستور، أي بالمادة التي لا مساس بها.
ومن هنا جاء مأزق المحكمة التي لابد لها بالإلتزام بسمو القوانين الأوروبية علي القوانين الداخلية وذلك بحكم الدستور نفسه في المادة 23 منه وأيضا بحكم الإتفاقيات الأوروبية التي نما فعلها الداخلي علي مدار سنوات طويلة منذ بداية الستينات. كما أنها ملتزمة بحكم الدستور في جانب آخر منه وهو الكرامة الإنسانية.
فماذا تفعل المحكمة؟
قامت المحكمة بعمل ما يطلق عليه فحص تناسق هوية الدستور الالماني Identitätskontrolle مع التصرف القانوني الذي إتخذه الإتحاد الأوروبي من خلال أمر القبض الأوروبي وطلب تنفيذه من سلطات ألمانيا الإتحادية. وهذا الفحص لا يستعمل إلا في حالة شك المحكمة في أن تنفيذ الأمر الصادر من الإتحاد الأوروبي يحمل في طياته نوعا ضمنيا من أنواع التعديل الدستوري داخل المانيا والذي قد يهدد الهوية الألمانية للدستور، أي يهدد المواد الثابتة فيه، المادة 1 الخاصة بالكرامة الإنسانية والمادة 20 حيث أنها لا يمكن التلاعب بها لا تعديلا ولا حذفا. ولذلك فلابد لها من فحص كنه هذا التعديل والتأكد من أنه لا يمس الهوية الدستورية لألمانيا.
وقد خلصت المحكمة إلي نتيجة غير مألوفة مفادها أن تسليم إنسان إلي مصير لا يحمل معه ضمانة محاكمة عادلة وفقا للقواعد التي يعرفها الدستور الالماني هو تعدي علي كرامة هذا الإنسان حيث أنه من غير المؤكد إعادة المحاكمة بكاملها وفتح جميع ملفاتها بما فيها البراهين والإثباتات وشهادات الشهود الذين ربما يكون كثير منهم قد توفي خلال 23 عاما.
وهكذا رجحت المحكمة الدستورية الإتحادية الألمانية كفة المادة رقم 1 من دستور ألمانيا وحكمت برفض التسليم إلي إيطاليا. والذي لم تقله المحكمة صراحة هو أن قبولها التسليم يرقي إلي تعديل للدستور يشمل إسقاط المادة رقم 1 من التنفيذ، وهو ما لا تقدر عليه المحكمة بالطبع.
وهذا القرار معارض معارضة صريحة لحكم سابق من أحكام المحكمة الأوروبية العليا التي قالت فيه أن تنفيذ قرارات وقوانين الإتحاد الأوروبي ملزمة لجميع الدول الأعضاء بلا إعتراض ولا حتي مناقشة.
كما أنه معارض لأحكام الإتفاقيات المنشئة للإتحاد الأوروبي نفسه والتي تلزم المحاكم الوطنية في حالة الشك بأن ترفع الأمر إلي المحكمة الأوروبية العليا للبت فيه. وكذلك يعارض أحكاما متعددة من المحكمة الأوروبية العليا تقضي بأنها صاحبة الإختصاص الوحيد في أمثال تلك الحالات.
أي أن المحكمة الدستورية الألمانية قامت بإجماع آراء جميع قضاتها الثمانية بكسر حكم أوروبي من المحكمة العليا. وهي سابقة هامة في تاريخ القضايا الأوروبية، ولهذا تشهد الحياة القانونية والتشريعية في ألمانيا جدلا واسعا حول هذا الحكم الحديث وحول النتائج المترتبة عليه.
تبقي بهذه المناسبة فرصة ملاحظة أن قانون الإجراءات الجنائية المصري الصادر عام 1950 يوجب إعادة المحاكمة بالكامل في حالة الأحكام الغيابية، خلافا للقانون الإيطالي المعمول به حاليا، وهي ضمانة وضعها المشرع المصري حرصا علي تحقيق العدالة وإعمالا للنص الدستوري الخاص بالحق في الوقوف أمام القاضي الطبيعي.

رفعت الجلسة.

من إعداد المكتب الثقافي في برلين، أيمن زغلول قبراير 2016

من قضايا الإعلام في ألمانيا الإتحادية

من قضايا الإعلام في ألمانيا الإتحادية

من قضايا الإعلام في ألمانيا الإتحادية

كنا فيما مضي دائما نقرأ فى الصحف الأجنبية أن خطابات الرئيس فيدل كاسترو تمتاز بالطول المبالغ فيه حيث أنه يظل يخطب فى الناس لثلاثة ساعات متواصلة بلا راحة ولا إنقطاع. وهذا النوع من الخطابات متوافر بشدة فى الدول الإشتراكية حيث أن النظرية الإشتراكية تفترض فى الجمهور جمعا من العمال والفلاحين البسطاء من ناقصي التعليم ومن حرموا من الثقافة العامة ولذلك ينبغي على القائد الإشتراكى الحق أن يضمن خطابه الجماهيري قدرا لا بأس به من التعليم والشرح لقضايا المجتمع الثورى سواء الداخلية أو الخارجية والمتعلقة بكافة شئون إدارة الديالكتيك (الجدلية)  الثورية التي تهدف إلى أن توصل الكفاح الشعبي البطل إلى غايته من بناء مجتمع الرخاء والسلام حيث لا يستغل الإنسان أخاه الإنسان إلخ…  (more…)

دستوريات ألمانية

دستوريات ألمانية

دستوريات ألمانية

 

تنص المادة 20 من دستور جمهورية ألمانيا الإتحادية على الآتى:

 

1- جمهورية ألمانيا الإتحادية هى جمهورية ديموقراطية تقوم علي التكافل الاحتماعي وإتحادية.

2- تصدر جميع سلطات الدولة عن الشعب. وتتم ممارسة هذه السلطات بواسطة أعضاء يتم إختيارهم خصيصا عن  طريق الإنتخاب والإقتراع ويقومون بوضع القوانين وتنفيذ الأحكام القضائية.

3- تلتزم عملية التشريع بالنظام الدستورى وتلتزم السلطة التنفيذية والأحكام القضائية بالحق والقانون.

4- يحق لكل الالمان أن يمارسوا المقاومة ضد كل من يحاول هدم هذا النظام فى حالة عدم إمكانية اللجوء لوسائل أخرى.

 

والفقرة الرابعة من المادة السابقة مقصود بها قطع الطريق على أى نظام أو أى شخص (بنص العبارة  “كل من”)  قد يجىء فى المستقبل ويحاول تقويض أركان النظام المبين فى الفقرات الثلاثة السابقة. وهذه الفقرة كما هو واضح تعطى كل الالمان الحق فى مقاومته، بشرط عدم إمكانية اللجوء للوسائل الأخرى. أى أن حكومة منتخبة وحاصلة على تفويض من الشعب لا يحق لها إتخاذ تدابير أو إجراءات من شأنها تغيير الأساس الدستورى والقانونى للبلاد والمنصوص عليه فى الفقرات الثلاثة الأولى، أى الإلتزام بالدستور عند وضع القوانين من جانب السلطة التشريعية والإلتزام بالقوانين والحفاظ على الحقوق عند ممارسة السلطة التنفيذية لعملها. وفى حالة قيام تلك الحكومة بخرق تلك الشروط – رغم أنها منتخبة وشرعية – تصبح مقاومتها من جانب الالمان هى أيضا عمل شرعى دستورى أى أنه يخرج أعمال مقاومة سلطة تلك الحكومة فى هذه الحالة من نطاق قانون العقوبات.

 

وأظن أن الباعث على وضع هذه المادة فى الدستور كان هو التحرز من عودة شبح النازية إلى ألمانيا عقب كل ما تسببت فيه هذه الحركة من أضرار للبلاد والعباد خلال 12 عاما فقط كانت تمسك فيها بدفة الأمور. وهذا بالضبط هو الجديد فى هذه المادة، أنها تمنع بشكل واضح قيام أى حركة سياسية أو شعبية تهدف إلى هدم أو تغيير الأساس القانونى الموضح فى الفقرات الثلاثة الأولى. أى أنها تشجع المقاومة الشعبية ضد حكومة قد يتم إنتخابها ولها هذا الإتجاه.

ومن يعيش فى ألمانيا يعرف جيدا معنى هذه الفقرة. فالألمان يحترمون بشدة هيبة الدولة وينبذون العنف ولا يتدخلون فى حياة الآخرين. ومن يعيش فى ألمانيا يعرف جيدا أنه يفقد كل حقوقه ويتحول فورا إلى مذنب لو أنه بادر باستعمال القوة فى أى نزاع، حتى ولو كان هو صاحب الحق الواضح. فاستعمال القوة الذاتية ممنوع إلا فقط فى أحوال الدفاع المشروع عن النفس وبشرط صد الهجوم فقط وليس ممارسة الهجوم المضاد وبشرط التناسب بين قدر القوة المستعملة فى الهجوم وقدر القوة المستعملة فى الدفاع.

وكون المشرع الدستورى الالمانى يقرر إعطاء حق المقاومة للشعب فى حالة تواجد حكم قائم على أسس تختلف عن الأسس المنصوص عليها فى الفقرات الثلاثة المذكورة هو أمر يعرض الأهمية الكبرى التى يوليها هذا المشرع لقيم الديموقراطية والتعددية والإنتخاب والإقتراع واحترام القانون والحقوق وأيضا منع الحركات الفاشية الهادفة إلى تقويض أركان هذا النظام.

وهنا لابد من ملاحظة أن حق المقاومة هذا قد جاء ذكره بصفة عامة وغير محددة وذلك حرصا على أهمية القيم التى تجرى المقاومة دفاعا عنها، أى أن هذا الحق يشمل أيضا المقاومة المسلحة، كل ذلك بفرض أن الطرق الأخرى جميعا قد أضحت غير ممكنة، وهو فرض هام جدا ولابد من إثبات تحققه حينما يقف المقاوم أمام القضاء بعد هدوء الأحوال وذلك حتى لا يفتح هذا النص الدستورى بابا لوقوع فوضى.
وطريقة تعديل الدستور ورد النص عليها فى المادة رقم 79 من نفس الدستور ويلزمه ثلثا الأصوات فى البرلمان بمجلسيه، أى أن كل مجلس لابد أن يصوت منفردا ويحصل التعديل على ثلثى أصواته حيث أن الإقتراع هو وسيلة دستورية كما يتضح من نص الفقرة الثانية من المادة السابقة. كما أنه يجب أن يكون النص الجديد دالا فى لفظه على مفهوم التعديل بحيث يقال تعدل مادة كذا إلى كذا وكذا. وهناك مواد لا يطالها الإلغاء أو التعديل وإلا سقط الدستور كله وهما المادتان الأولى (كرامة الإنسان لا تمس وحمايتها واجب أساسى من واجبات كل سلطات الدولة) بالإضافة إلى هذه المادة رقم 20 والتى تحدد نطاق حركة أجهزة الدولة المختلفة وكذلك تنظم حق المقاومة كما رأينا. أى أن حق المقاومة هو أيضا لا يمس بالتعديل. ولا توجد فى الدستور إستثناءات أخرى خلاف هاتين المادتين رقم 1 ورقم 20.
وهذا النص بهذه الطريقة ينظر إليه فى ألمانيا على أنه ضمانة للمواطنين بأنهم مسئولون عن حماية أنفسهم ضد الدكتاتورية أو أى ظاهرة إجتماعية أو سياسية تتعارض مع المبادىء التى وردت فى الفقرات الثلاثة الأولى، وبالطبع فالضمانة الثانية للمجتمع ضد الفوضى (أو ما نطلق عليه بالعربية الفتنة) هى إنسداد كل الطرق الأخرى كما سلف البيان.